إن هدنة الحديبية كانت بداية طور جديد في حياة الإسلام والمسلمين، فقد كانت قريش أقوى قوة وأعندها وألدها في عداء الإسلام، وبانسحابها عن ميدان الحرب إلى رحاب الأمن والسلام انكسر أقوى جناح من أجنحة الأحزاب الثلاثة قريش وغطفان واليهود ولما كانت قريش ممثلة للوثنية وزعيمتها في ربوع جزيرة العرب انخفضت حدة مشاعر الوثنيين، وانهارت نزعاتها العدائية إلى حد كبير ولذلك لا نرى لغطفان استفزازاً كبيراً بعد هذه الهدنة، وجل ما جاء منهم إنما جاء من قبل إغراء اليهود.
وقتل راعيه فقلت يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة، وأخبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قمت على أكما، واستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً يا صباحاه، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز، أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فواللَّه ما زلت أرميهم وأعقر بهم، فإذا رجع إلى فارس جلست في أصل الشجرة، ثم رميته فتعفرت به، حتى إذا دخلوا في تضايق الجبل علوته، فجعلت أرديهم بالحجارة، فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق اللَّه تعالى من بعير من ظهر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة، وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقاً من ثنية فجلسوا يتغدون، وجلست على رأس قرن، فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قلت هل تعرفونني؟ أنا سلمة بن الأكوع لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني فيدركني، فرجعوا. فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر. فإذا أولهم أخرم، وعلى أثره أبو قتادة، وعلى أثره المقداد بن الأسود، فالتقى عبد الرحمن وأخرم، فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه ولحق قتادة بعبد الرحمن فطعنه فقلته، وولى القوم مدبرين، نتبعهم أعدو على رجلي، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له ذا قرد، ليشربوا منه، وهم عطاش، فأجليتهم عنه، فما ذاقوا قطرة منه، ولحقني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والخيل عشاء، فقلت يا رسول اللَّه إن القوم عطاش، فلو بعثتني في مائة رجل استنقذت ما عندهم من السرج، وأخذت بأعناق القوم، فقال: يا بن الأكوع. ملكت فاسجح، ثم قال: إنهم ليقرون الآن في غطفان. وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة. وأعطاني سهمين، سهم الراجل وسهم الفارس، وأردفني وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. استعمل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المدينة في هذه الغزوة ابن أم مكتوم، وعقد اللواء للمقداد بن عمرو. غزوة خيبر ووادي القرى (في المحرم سنة 7هـ): كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ستين أو ثمانين ميلاً من المدينة في جهة الشمال، وهي الآن قرية في مناخها بعض الوخامة. سبب الغزوة: ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أقوى أجنحة الأحزاب الثلاثة، وأمن منه أمناً باتاً بعد الهدنة أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين - اليهود وقبائل نجد حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون من الصراع الدامي المتواصل إلى تبليغ رسالة اللَّه والدعوة إليه. ولما كانت خيبر هي وكر الدس والتآمر، ومركز الاستفزازت العسكرية ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولاً. أما كون خيبر بهذه الصفة، فلا ننسى أن أهل خيبر هم الذين حزبوا الأحزاب ضد المسلمين، وأثاروا بني قريظة على الغدر والخيانة، ثم أخذوا في الاتصالات بالمنافقين - الطابور الخامس في المجتمع الإسلامي - وبغطفان وأعراب البادية - الجناح الثالث من الأحزاب - وكانوا هم أنفسهم يهيئون للقتال، فألقوا المسلمين بإجراءتهم هذه في محن متواصلة، حتى وضعوا خطة لاغتيال النبي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وإزاء ذلك اضطر المسلمون إلى بعوث متوالية، وإلى الفتك برأس هؤلاء المتآمرين، مثل سلام بن أبي الحقيق، وأسير بن زارم، ولكن الواجب على المسلمين إزاء هؤلاء اليهود كان أكبر من ذلك. وإنما أبطأوا في القيام بهذا الواجب، لأن قوة أكبر وأقوى وألد وأعند منهم وهي قريش كانت مجابهة للمسلمين، فلما انهت هذه المجابهة صفا الجو لمحاسبة هؤلاء المجرمين، واقترب لهم يوم الحساب. الخروج إلى خيبر: قال ابن إسحاق أقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر. قال المفسرون إن خيبر كانت وعداً وعدها اللَّه تعالى بقوله: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ} [الفتح: 20> يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر. عدد الجيش الإسلامي: ولما كان المنافقون وضعفاء الإيمان تخلفوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية أمر اللَّه تعالى نبيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم قائلاً: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا} [الفتح: 15>. فلما أراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر، أعلن أن لا يخرج معه إلا راغب في الجهاد، فلم يخرج إلا أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة. واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وقال ابن إسحاق نميلة بن عبد اللَّه الليثي، والأول أصح عند المحققين. وحينئذ قدم أبو هريرة المدينة مسلماً، فوافى سباع بن عرفطة في صلاة الصبح فلما فرغ من صلاته أتى سباعاً فزوده، حتى قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكلم المسلمين فأشركوه وأصحابه في سهماتهم. اتصال المنافقين باليهود: وقد قام المنافقون يعملون لليهود، فقد أرسل رأس المنافقين عبد اللَّه بن أبي إلى يهود خيبر أن محمداً قصد قصدكم وتوجه إليكم، فخذوا حذركم، ولا تخافوا منه، فإن عددكم وعدتكم كثيرة، وقوم محمد شرذمة قليلون، عزّل لا سلاح معهم إلا قليل. فلما علم ذلك أهل خيبر، أرسلوا كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس إلى غطفان، يستمدونهم، لأنهم كانوا حلفاء يهود خيبر، ومظاهرين لهم على المسلمين. وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن هم غلبوا على المسلمين. الطريق إلى خيبر: وسلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في اتجاهه نحو خيبر جبل عصر (بالكسر وقيل بالتحريك) ثم على الصهباء، ثم نزل على واد يقال له الرجيع، وكان بينه وبين غطفان مسيرة يوم وليلة، فتهيأت غطفان وتوجهوا إلى خيبر، لإمداد اليهود، فلما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حساً ولغطاً، فظنوا أن المسلمين أغاروا على أهاليهم وأموالهم فرجعوا، وخلوا بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين خيبر. ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الدليلين اللذين كانا يسلكان بالجيش - وكان اسم أحدهما حسيل - ليدلاه على الطريق الأحسن، حتى يدخل خيبر من جهة الشمال - أي جهة الشام - فيحول بين اليهود وبين طريق فرارهم إلى الشام كما يحول بينهم وبين غطفان. قال أحدهما أنا أدلك يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأقبل حتى انتهى إلى مفرق الطرق المتعددة وقال: يا رسول اللَّه هذه طرق يمكن الوصول من كل منها إلى المقصد، فأمر أن يسميها له واحداً واحداً. قال: اسم واحد منها حزن فأبى النبي صلى الله عليه وسلم من سلوكه، وقال: اسم الآخر شاش، فامتنع منه أيضاً وقال: اسم آخر حاطب. فامتنع منه أيضاً، وقال حسيل فما بقي إلا واحد قال عمر ما اسمه قال: مرحب، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم سلوكه. بعض ما وقع في الطريق: عن سلمة بن الأكوع قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلاً، فقال، رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ - وكان عامر رجلاً شاعراً - فنزل يحدو بالقوم. يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فاغفر فداء لك ما اتقينا وثبت الأقدام إن لاقينا وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أبينا وبالصياح عولوا علينا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع. قال: رحمه اللَّه. قال رجل من القوم وجبت يا نبي اللَّه، لولا أمتعتنا به. وكانوا يعرفون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يستغفر لإنسان يخصه إلا استشهد - وقد وقع في حرب خيبر. وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً. وبالصهباء من أدنى خيبر صلى العصر، ثم دعا بالازواد، فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثرى، فأكل وأكل الناس، ثم قام إلى المغرب، فمضمض، ومضمض الناس، ثم صلى ولم يتوضأ ثم صلى العشاء. الجيش الإسلامي إلى أسوار خيبر: بات المسلمون الليلة الأخيرة التي بدأ في صباحها القتال قريباً من خيبر، ولا تشعر بهم اليهود، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى يصبح، فلما أصبح صلى الفجر بغلس، وركب المسلمون، فخرج أهل خيبر بمساحيهم ومكاتلهم، ولا يشعرون، بل خرجوا لأرضهم، فلما رأوا الجيش قالوا: محمد، واللَّه محمد والخميس، ثم رجعوا هاربين إلى مدينتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللَّه أكبر، خربت خيبر، اللَّه أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه حباب بن المنذر فقال: يا رسول اللَّه أرأيت هذا المنزل أنزلكه اللَّه، أم هو الرأي في الحرب؟ قال بل هو الرأي، فقال: يا رسول اللَّه إن هذا المنزل قريب جداً من حصن نطاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضاً هذا بين النخلات، ومكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكراً قال صلى الله عليه وسلم الرأي ما أشرت، ثم تحول إلى مكان آخر. ولما دنا من خيبر وأشرف عليها قال: قفوا. فوقف الجيش فقال: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، فإنا لنسألك خير هذه القرية، وخير أهلها، وخير ما فيها، ونعوذ بك من شر هذه القرية، وشر أهلها، وشر ما فيها، اقدموا بسم اللَّه. التهيؤ للقتال وحصون خيبر: ولما كانت ليلة الدخول قال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كلهم يرجو أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب، فقالوا: يا رسول اللَّه هو يشتكي عينيه قال: فأرسلوا إليه فأتى به، فبصق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرىء، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال: يا رسول اللَّه أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، قال: انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم. وكانت خيبر منقسمة إلى شطرين، شطر فيه خمسة حصون: حصن ناعم. حصن الصعب بن معاذ. حصن قلعة الزبير. حصن أبي. حصن النزار. والحصون الثلاثة الأولى تقع في منطقة يقال لها النطاة، وأما الحصنان الآخران فيقعان في منطقة تسمى بالشق. أما الشطر الثاني، ويعرف بالكتيبة، ففيه ثلاثة حصون فقط: حصن القموص (كان حصن بني أبي الحقيق من بني النضير). حصن الوطيح. حصن السلالم. وفي خيبر حصون وقلاع غير هذه الثمانية، إلا أنها كانت صغيرة لا تبلغ إلى درجة هذه القلاع في مناعتها وقوتها. والقتال المرير إنما دار في الشطر الأول منها، أما الشطر الثاني فحصونها الثلاثة مع كثرة المحاربين فيها سلمت دونما قتال. بدء المعركة وفتح حصن ناعم: وأول حصن هاجمه المسلمون من هذه الحصون الثمانية هو حصن ناعم وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف. خرج علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة. قال سلمة بن الأكوع فلما أتينا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول: قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحروب أقبلت تلهب فبرز له عمى عامر فقال: قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر، وذهب عامر يسفل له، وكان سيفه قصيراً، فتناول به ساق يهودي ليضربه فيرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه له لأجرين وجمع بين إصبعيه، إنه لجاهد مجاهد قل عربي شي بها مثله. ويبدو أن مرحباً دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخرى، وجعل يرتجز بقوله قد علمت خيبر أني مرحب... إلخ، فبرز علي بن أبي طالب. قال سلمة بن الأكوع فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه. ولما دنا علي رضي اللَّه عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال: من أنت، فقال: أنا علي بن أبي طالب، فقال اليهودي علوتم وما أنزل على موسى. ثم خرج ياسر أخو مرحب وهو يقول من يبارز؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أمه يا رسول اللَّه، يقتل ابني؟ قال: بل ابنك يقتله فقتله الزبير. ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من اليهود، انهارت لأجله مقاومة اليهود، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أياماً لاقى المسلمون فيها مقاومة شديدة، إلا أن اليهود يئسوا من مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب، واقتحم المسلمون حصن ناعم. فتح حصن الصعب بن معاذ: وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، ففرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة. وروى ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء، فقال: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء، وأكثرها طعاماً وودكاً. فغدا الناس ففتح اللَّه عز وجل حصن الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه. ولما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام الحصن. ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات. ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن إسحاق كان رجال من الجيش قد ذبحواالحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك نهى عن لحوم الحمر الإنسية. فتح قلعة الزبير: وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل الحصون النطاة إلى قلعة الزبير، وهو حصن منيع في رأس قلعة، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الحصار، وأقام محاصراً ثلاثة أيام. فجاء رجل من اليهود، وقال: يا أبا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض، يخرجون بالليل ويشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك. فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . فتح قلعة أبي: وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز الثاني هو البطل المشهور أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء. وقد أسرع أبو دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن، ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول. فتح حصن النزار: كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصارى جهدهم في هذا السبيل ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة. وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلاً للاقتحام فيه. أما اليهود فلم يجترئوا للخروج من الحصن، للاشتباك مع قوات المسلمين، لكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة. وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا بها القذائف، فأوقعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموه، ودار قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا الحصن كما تسللوا من الحصون الأخرى، بل فروا من فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم. وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النطاة والشق، وكانت في هذه الناحية حصون صغيرة أخرى إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر. فتح الشطر الثاني من خيبر: ولما فتح ناحية النطاة والشق، تحول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتيبة والوطيح والسلالم حصن أبي الحقيق من بني النضير. وجاءهم كل من كان انهزم من النطأة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن. واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا؟ فسياق ابن إسحاق صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص. بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط من غير أن يجري هناك مفاوضة للإستسلام. أما الواقدي، فيصرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاثة إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن تكون المفاوضة قد جرت لاستسلام حصن القموص بعد إدارة القتال. وأما الحصنان الآخران فقد سلماً إلى المسلمين دونما قتال. ومهما كان فلما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الناحية الكتيبة فرض على أهلها أشد الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يوماً، واليهود لا يخرجون من حصونهم حتى همّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلح. المفاوضة: وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم انزل فأكلمك؟ قال: نعم فنزل، وصالح على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء والبيضاء أي الذهب والفضة والكراع والحلقة إلا ثوباً على ظهر إنسان، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبرئت منكم ذمة اللَّه وذمة رسوله إن كتمتموني شيئاً، فصالحوه على ذلك وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين وبذلك تم فتح خيبر. قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد: وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالاً كثيراً، غيباً مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير. قال ابن إسحاق وأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بكنانة الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتى رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ قال: نعم فأمر بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبى أن يؤديه. فدفعه إلى الزبير، وقال: عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن سلمة، فضرب عنقه بمحمود بن سلمة (وكان محمود قتل تحت جدار حصن ناعم ألقى عليه الرحى، وهو يستظل بالجدار فمات). وذكر ابن القيم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأمر بقتل ابني أبي الحقيق وكان الذي اعترف عليهما بإخفاء المال هو ابن عم كنانة. وسبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق، وكانت عروساً حديثة عهد بالدخول. قسمة الغنائم: وأراد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون يقومون عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر ما بدا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقرهم. وكان عبد اللَّه بن رواحة يخرصه عليهم. وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهماً، وجمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، فكان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر وهو ألف وثمانمائة سهم، سهم لنوائبه وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم، لأنها كانت طعمة من اللَّه لأهل الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفاً وأربعمائة وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان، فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحداً. ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن عائشة قالت: لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر ولما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال ونخيل. قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين: وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه. قال أبو موسى بلغنا مخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه عنده، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا معه حتى قدمنا فوافقنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئاً إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم. ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقبله وقال: و اللَّه ما أدري بأيهما أفرح؟ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب توجيههم إليه فأرسلهم النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم، وبقيتهم جاؤوا إلى المدينة قبل ذلك. الزواج بصفية: ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كنانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية بن خليفة الكلبي، فقال: يا نبي اللَّه أعطني جارية من السبي، فقال: اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال: ادعوه بها. فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها، وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعاً إلى المدينة حلت، فجهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروساً بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسويق، وأقام عليها ثلاثة أيام في الطريق ينبي بها. ورأى بوجهها خضرة، فقال: ما هذا؟ قالت: يا رسول اللَّه رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من مكانه، وسقط في حجري، ولا وا للَّه ما أذكر من شأنك شيئاً، فقصصتها على زوجي، فلطم وجهي. فقال: تمنين هذا الملك الذي بالمدينة. أمر الشاة المسمومة: ولما اطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل لها الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فلاك منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال: إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم، ثم دعا بها فاعترفت،فقال: ما حملك على ذلك؟ قالت: قلت إن كان ملكاً استرحت منه، وإن كان نبياً فسيخبر، فتجاوز عنها. وكان معه بشر بن البراء بن معرور أخذ منها أكلة فأساغها فمات منها. واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولاً.فلما مات بشر قتلها قصاصاً. قتلى الفريقين في معارك خيبر: وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشجع، وواحد من أسلم، وواحد من أهل خيبر، والباقون من الأنصار. ويقال: إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 18 رجلاً، وذكر العلامة المنصور فوري 19 رجلاً ثم قال: إني وجدت بعد التفحص 23 اسماً، واحد منها في الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر. أما قتلى اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً. فدك: ولما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث محيصة بن مسعود إلى يهود فدك، ليدعوهم إلى الإسلام فأبطأوا عليه، فلما فتح اللَّه خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما صالح عليه أهل خيبر فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالصة، لأنه لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب. وادي القرى: ولما فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القرى وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب. فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي وهم على تعبئة، فقتل مدعم عبد لرسول للَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلا. والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه ناراً. فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم شراك من نار أو شراكان من نار. ثم عبأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال. وصفهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حنيف، وراية إلى عبادة بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي صلى الله عليه وسلم عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام. وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه. ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى اللَّه ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغنمه اللَّه أموالهم، وأصابوا أثاثاً ومتاعاً كثيراً. وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام، وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها كما عامل أهل خيبر. تيماء: ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فدك ووادي القرى لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأقاموا بأموالهم. وكتب لهم بذلك كتاباً وهاك نصه هذا كتاب محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لبني عادياً إن لهم الذمة، وعليهم الجزية ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد. العودة إلى المدينة: ثم أخذ رسول اللَّه في العودة إلى المدينة. وفي مرجعه ذلك سار ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال اكلأ لنا الليل فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلى الفجر بالناس، وقيل: إن هذه القصة في غير هذا السفر. وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7هـ. سرية أبان بن سعيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماماً بعد انقضاء الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعاً، بينما الأعراب ضاربة حولها تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة، ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب. تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجباً عليه، فوافى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحها. والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ. ورد ذكر هذه السرية في البخاري قال ابن حجر لم أعرف حال هذه السرية.